أمي أنتِ السبب
بقلم//سلام نجم الدين الشرابي
افتقدت حضنك الذي ترويه الحكايات والقصص، والذي حدثتني عنه الصديقات والقريبات.. ذلك الحضن الذي لمست حرارة دفئه من خلال قصص وبرامج الأطفال التي كنت أشاهدها بشغف عبر شاشة التلفاز، ولكني أبداً لم أعشها ولم ألمسها كواقع في حياتي.. هل كان حضنك بارداً.. دافئاً؟..
حقيقة لم أعرف مقدار حرارته، لأني لم ألمسه فكيف أعرفه؟! لكنه لو كان دافئاً لناداني إليه ولكان قلبي طار في أرجاء البيت وحط فيه، لخرج من أحلام يقظته التي غاب فيها مطولاً...
كم حلمت بأمهات صديقاتي أن يكن هن أمي.. كم تمنيت أن أكون ابنة لأم طفل كرتوني...
تمنيت أن أبكي في حجرك لا أن أبكي منك، أمي لماذا أنت قاسية علي؟ أين الحنان الذي يروى عن الأم؟ لماذا لم أجده عندك؟ والآن بعد أن كبرت ومضت السنون واعتدت أن لا أجد مكاناً في حجرك تلوميني على الجفاء الذي بيننا وتسأليني عن الحب، عن المشاعر!.. فاقد الشيء لا يعطيه، لك عندي حق البر الذي أمرني الله به والطاعة وهو ما أملك، ولكن عن المشاعر لا تسأليني فهي ما لا أملك..
لم أنهل منها حتى أمنحها فسامحيني أنت السبب...
للأسف كثرت في الآونة الأخيرة الخلافات والجفاء بين الفتاة وأمها وكبرت الفجوة بينهما وغالباً ما تتضح هذه المشكلة بين البنت الكبرى وأمها، وخضعت هذه الحالة لتفسيرات عدة إلا أن المشكلة ما زالت قائمة وتحصل في كثير من البيوت
ظاهرة العنف الأسري واقعة في كل المجتمعات سواء العربية أو الأجنبية، إلا أن الفرق بيننا وبينهم هو أن المجتمع الغربي يعترف بوجود هذه المشكلة، بعكس المجتمعات العربية التي تعتبرها من الخصوصيات، بل من الأمور المحظور تناولها حتى مع أقرب الناس، إذ أن مجتمعاتنا متداخلة ومترابطة، ومثل هذه المشكلات لا يمكن طرحها على بساط الحوار.
صور مؤلمة مصادرها إما من الأب أو الأم.. الاعتداء بالضرب بالخيزران والحزام أو بالعقال أو بسلك التلفون أو بالرفس بالرجل أو باللكمات أو الربط بالحبل على اليدين والرجلين والرمي في مخزن مخيف أو غرز الإبر على جسـم الطفل أو كسور في عظام الرأس والأنف والوجه وسائر الجسم أو آثار حروق في جسم الطفل من النار أو إطفاء السجائر أو المكوي أو آثار سلك كهربائي، أو قطع أو تشوه متعمد في لحمة الأذن أو التوبيخ والتهديد بألفاظ قاسية، أو إلقاء أنواع من المواد الحادة والصلبة على أجسادهم، وأمور أخرى كثيرة.. لماذا.. وما هو السبب؟!
يشير علماء الاجتماع إلى أن أسباب العنف الأسري نابعة من أثر عميق سواء حدث في الماضي أو الحاضر.
والأسباب ذات الجذور القديمة تكون نابعة من مشكلات سابقة أو عنف سابق سواء من قبل الآباء أو أحد أفراد العائلة، أما الأثر الحاضر فتكون جذوره مشكلة حالية، على سبيل المثال خلاف الأم مع زوجها، قد يدفعها إلى ممارسة العنف على أولادها، وبالتالي فإن الشخص الذي ينحدر من أسرة مارس أحد أفرادها العنف عليه، ففي أغلب الأحيان أنه سيمارس الدور نفسه، لذا من الضروري معرفة شكل علاقة الأم المعتدية على أولادها بوالدتها في صغرها، وفي الغالب تكون تعرضت هي نفسها للعنف، لذا فبالنسبة لها تعتقد أن ما تقوم به من عنف تجاه أولادها هو أمر عادي كونه مورس عليها ومن حقها اليوم أن تفعل الشيء نفسه رغم معاناتها منه سابقاً.
إن الوالدين الفاقدين للحنان والحب منذ الصغر غير قادرين على إمداد الحنان والرعاية لأطفالهما.
وفي بعض الحالات ينصب عنف الأم على ابنة محددة؛ نتيجة تدليل الأب أو الحماة لها أو تشبيهها بهم، وطبعاً هذا يكون مع تردي العلاقة مع الزوج أو الحماة، ومن جهة أخرى تحفز غيرة الأم من ابنتها ممارسة العنف ضدها، فهناك أم تغار من نجاح ابنتها وتفوقها بالدراسة، لذا تلجأ إلى أساليب كثيرة كي تعيق تفوقها، أو تغار من جمال ابنتها، فتفتعل معها المشكلات وتضربها لدرجة الأذى كي تشوّه جمالها.
كما يرى البعض أن المشكلة تكمن في عدم وعي الأمهات لمتطلبات المراحل العمرية للأبناء والتي تتغير باستمرار، وبمدى أهمية توفير العاطفة قبل المادة للأولاد. وهذه الحالة تدفع الفتيات خاصة إلى البحث عن بديل يمدها بالعاطفة والحنان الذي تحتاجه، مما يؤدي إلى غيرة الأم، من هنا يبدأ الشرخ في العلاقة بين الأم وابنتها.
وللحديث صلة