المواهب الخاصة لا ترتبط بذكاء الفرد المجرد أو به لوحده، بل قد توجد بين مَن يوصفون بالمتخلفين عقلياً، وقد قيل قديما: "خذ الحكمة من أفواه المجانين" ولهذا يصف العلماء المختصون ويصنفون المواهب للدلالة على الاستعدادات العالية لدى الفرد خاصة في مجال محدد.
الموهبة لها جانب وراثي وجانب بيئي، ويوجد تفاعل بين طاقات الفرد وقدراته الموروثة، والظروف البيئية التي يعيش فيها، ومن الخطأ الحديث عن إحداها دون الأخرى. وبهذا الفهم ينفتح الباب أمام مَن يهتم برعاية تلك الموهبة؛ للتعرف أولاً على الطاقات التي يملكها الفرد والقدرات التي لديه، ثم تهيأ لها الفرصة لتتفتح وتنمو وتتطور في مناخ صحي يشجع المواهب.
كيف تتعرف على ابنك الموهوب؟
توصل العلماء المهتمون باكتشاف المواهب والكشف عن الموهوبين أن الموهوبين يتميزون عن العاديين في بعض الجوانب ومنها:
1- الناحية العقلية: قدرتهم أكبر على التذكر ودقة الملاحظة والتفكير المنظم، ويتفوقون في القراءة والحساب والأدب والعلوم، ولديهم فترة انتباه أطول ومفردات لغوية كثيرة وحب استطلاع ويحبون المسائل العقلية.
2- من ناحية الميول والاهتمامات: تتعدد ميولهم واهتماماتهم لتشمل كل ما يمكنهم فعله، كما أنهم يميلون للتنظيم وحب الفكاهة ودراسة سير الشخصيات.
هذه خصائص عامة يمكن أن يدركها الأب أو الأم أو المعلم، وهي تمثل بداية لاكتشاف موهبة الطفل، ومن ثَمّ يتطلب عرضهم على مختصين، لتحديد مجال موهبتهم بدقة لتنميتها و تعزيزها لديهم.
من المهم أن نفرّق بين الموهبة والتفوق الدراسي، فبعضنا يرى أن الموهبة تتمثل في التفوق الدراسي كما تعبر عنه نتائج الاختبارات أو الترتيب المتقدم في الصف أو المدرسة، والحقيقة أن الموهبة أشمل من المادة الدراسية؛ لأن المادة الدراسية تعتمد على التعلم الجماعي وتتولاه المدرسة وهي تراعي فيه أو توجه معظمه إلى العاديين أو المتوسطين وتهضم حق الموهوبين والمتميزين، وإهمال الموهبة أو التميز في جانب من الجوانب بدعوى المساواة أو تكافؤ الفرص لا يحقق عدلاً بمفهومه الشامل؛ لأن فيه ظلماً للموهوب بإهماله وعدم تنميته، وفيه ظلم للمجتمع بإهدار طاقاته ودفنها.
وعندما كانت الأسرة هي المسؤولة عن التربية والتعليم بشكل أساسي، أو عن طريق جلب مربِّ خاص كان من الممكن اكتشاف موهبة الطفل وتوجيهها بخلاف الوضع الحالي من التعليم والتربية الجماعية في المدارس، ولهذا كان النوابغ فيما مضى أكثر تميزاً وظهوراً(*).
إذا يبرز هنا دور الأسرة بالدرجة الأولى، ثم المدرسة في اكتشاف الطفل الموهوب ومن ثَمّ توجيهه واختيار البرامج المناسبة له، ولا تنتظر أن يطرق عليك أحد باب بيتك ليخبرك عن موهبة ابنك، بل اكتشفها أنت من خلال مراقبة سلوكه وتصرفاته، واسأل ذوي الخبرة عما تلاحظه، وكيف تتعامل معه وأنصت لطفلك، وتقبل كل أسئلته، فقد قيل: "كبِّر أذنك يكبر ولدك" أي استمع لتساؤلاته وأجب عنها يكبر عقله وينمو تفكيره. ولا تنظر لتساؤلاته غير العادية على أنها مضيعة للوقت أو دليل على عدم الجدية من جانبه، بل قد تكون تلك التساؤلات دليل ذكاء غير عادي، أو شرارة موهبة ستشعل تفكيره وتطلق تصرفاته.
لو تلفتنا يميناً وشمالاً لرأينا الغرب يغرقنا بمواهبه ومنتجاته، وأننا مجرد مستهلكين في هذا العالم، والحقيقة المرة أن الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، ولكن الفرق أنهم دعموا الفاشل حتى ينجح ونحن – للأسف- حاربنا الناجح حتى يفشل؛ فكم من المواهب والعقول المسلمة هاجرت إلى الغرب وتركت أوطانها؛ لأنها رأت من يقدر موهبتها ويهتم بعقلها؛ فلنبدأ نحن من محيطنا الصغير ليكبر الطفل ويبدع في مجتمعنا الكبير.
بقلم//سعود بن محمد بن عبدالعزيز الشويش