[center]أولادنا وأخطاؤنا التربوية، وكيف نعالجها؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الأساليب التربوية التي تعدل سلوك الأطفال، وتنشئهم تنشئة طيبة مستقيمة؛ إذ إن مرحلة الطفولة مرحلة تشكيل الطفل وفق رؤية معينة وتصور مستقبلي، وعلى الرغم من هذا فقد خاض في مسائل التربية من ليس أهلا، وكتب فيها من يفتقر إلى زاد تربوي سواء كان علميا أم عمليا، وكأن السباحة في بحرها لا يحتاج إلى خبرة ودراية، وعمل ومهارة.
وفي هذه السلسلة التربوية أحب أن أرصد بعض الظواهر الخاطئة، أو الصائبة في تربية الناشئة ليستفيد الناس منها، ثم يمارسون هذه الوظيفة، ولديهم رصيد طيب ومخزون خير، وكما أسلفت فإن العمل التربوي ليس سهلا، ومن يقوم عليه لا يسعه أن يتخطى ما يوضع بين يديه من تجارب الآخرين، ويقفز فوقها فيتعب نفسه وسواه. وسوف أتحدث – في هذا المقال - عن ظاهرتين إحداهما سلبية، والثانية إيجابية.
الظاهرة السلبية التي سأبسط المسألة فيها هي: الدلال المبالغ فيه وانعكاسه السلبي على الولد وعلى أبويه، ثم على المجتمع.
الظاهرة الإيجابية التي سأتناولها هي: تحمل المسؤولية والشعور بالذاتية، وأثر ذلك على سلوك الطفل في بيته وفي المجتمع.
وفي الحقيقة فإن الظاهرتين هما عملة لها وجهان، فإن أصلحنا الظاهرة الأولى، حصلنا على الثانية، وإن قصرنا في تحقيق الثانية، فالنتيجة هي ظهور الأولى في سلوك أبنائنا، والحكمة وسط بين الظاهرتين ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا ....)) فلا إفراط ولا تفريط، وربما الجهل، والغلو، وسوء تقدير الأمور، والتسويف، وفقدان الحكمة في التصرف، والهوى، وحب التقليد، وضعف البصيرة، والاستخفاف بالقيم في مرحلة ما!! من أهم العوامل التي تنجب الظاهرة الأولى، وبالتالي ضمور الحالة الإيجابية في التربية.
الدلال المفرط أسلوب خاطئ في التربية ومن أهم أسبابه: جهل الأبوين بقواعد التربية الإسلامية وبالتالي يتمخض عن هذا الجهل: عدم السماح للولد بأن يمارس بعض الأعمال التي أصبح قادرا على مزاولتها من قبيل الشفقة!!!!؛ ومنها احتضان الأم الولد احتضانا يكاد لا يفارق يديها وكذلك لا تسمح الأم أن يفارق ولدها ناظريها خشية أن يصاب بمكروه!!! والأخطر من كل ما سبق عدم محاسبته إن أخطأ!!!! مهما كان نوع خطئه، وغالبا من يتدلل هذا الدلال المفرط ولد ذكر أنجبه أبواه بعد عدة إناث، أو أن الأم كانت كثيرة الإجهاض، أو كان الوليد مريضا مرضا شديدا، ثم شفي منه، أو أن الطبيب أخبر الزوجين بأن لا أمل لهما في الإنجاب، ثم رزقهما الله تيارك وتعالى.
والحقيقة أن الحالات السابقة التي دفعت الأبوين إلى هذا السلوك مع ولدهما هي فرحة الأبوين بوجود هذا الطفل بينهما؛ ولكنها كارثة على الطفل المسكين، وأذكر أن أحد الأقارب ممن وقع في هذا الوضع- وكنت له من الناصحين- ومن الأمور التي عانى منها هذا الأب: كثرة شراء الألعاب التي تثقل كاهل الوالد، وتخرب نفسية الطفل، ولم يعد والداه قادرين على ضبط سلوكه، وإن كسَّر وحطَّم واعتدى، وبالغ في الطلب، ورفض ما ينبغي له أن يفعله، أو طلب ما لا يجوز أن يعطاه، وربما نشأ شريرا حتى على أبويه، أو منطويا على نفسه، لا يقبل نصحا، ولا ينزجر مهما توعده أبوه أو أمه.
الأبوان العاقلان هما اللذان يسلكان سبيل الرشاد في التربية، فإن كان النصح ينفع مع الولد، فلا يجوز لهما أن يلجآ إلى الهجر، وإن نفع هذا، فلا يستعملان الضرب، وهناك وسائل كثيرة في تقويم الانحراف، وكلها تدور حول الترغيب والترهيب مع مراعاة عمر الطفل ونفسيته، وعدم معاقبته أمام الآخرين.
إن تربية الطفل على حياة الخشونة والثقة بالنفس وتحمل المسؤولية، والجرأة الأدبية وإشعاره بكيانه والإحساس بالمسؤولية دون المبالغة في ذلك – لأمر حسن؛ لأن الإفراط في هذه الأمور قد تؤدي إلى الرجولة المبكرة، وهذه لا تحمد، فالطفل طفل والرجل رجل، فلا ينبغي الخلط بينهما، فكم أولاد وصلوا إلى هذا الشعور بتوجيه خاطئ من الأبوين، فنتج من هذه التربية الخاطئة أطفال يتصرفون تصرف الكبار!!!
إن ظاهرة الدلال المفرط من أكبر العوامل في انحراف الولد النفسي؛ لكونها تؤدي في الغالب إلى الشعور بالنقص في الطفولة وما بعدها؛ ولذلك فالاعتدال في حب الولد والتعلق به، والتسليم لقدر الله في كل ما ينوب ويروع، وتعويد الولد على حياة فيها شيء من الخشونة ولجم الرغبات المفرطة واستخدام العقوبة المناسبة للخطأ والسن؛ والعدل بين الأولاد مطلوب، ورحم الله أبا أعان ولده على بره.
إن تربية الولد الأكبر أو البنت الكبرى تربية سليمة، والتعب من أجل ذلك للحصول على النموذج القدوة في المنزل- لمن أهم أسباب النجاح، ولقد شاهدت بعيني نماذج متنوعة حرص فيها الأبوان على تنشئة القدوة – كما أسلفت – ثم تبع بقية الأبناء هذه الأسوة، واستراح الوالدان.
التربية تحتاج إلى جهد وتعب، وهي أمانة ومسؤولية، واسمع إلى قول الحق يقول ((وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)) ففي الآية لفتة جميلة وهي أن الأبوين نالا هذه الدعوة الصالحة من الابن نتيجة لقيامهما بمهمة التربية ولا سيما في الصغر وهي فترة الاستجابة من غير عناد، وعودُ الولد ما زال نديا يقول الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تقوم – إن عدلتها – الخشب
إن من الصفات الكريمة التي ينبغي أن يتحلى بها من يتصدى لدعوة الناس للخير، ونهيهم عن الشر – لين الجانب، وحسن الخلق، والقدوة الصالحة، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، ومن كان آمرا بمعروف، فليكن أمره بمعروف.
ما أجمل السعادة في بيوت تكون ثمرة من تربية طيبة، وما أحلى التوفيق والنجاح في منازل هما غراس من جهد خير، وعطاء من نفس زاكية مسددة موفقة مرشدة.
بقلم//مالك فيصل الدندشي
[/center]