[align=left]قصة قصيرة
مهر الغـــــــول

[/CENTER]











جاءني المساء ذات ليلة وعانقني بخيوطه الذهبية وسحر عيوني بمناظر هبوط شمسه الدافئة وغيابها وراء البحر بعد أن رسمت ألوان باهيه وجميلة , ولم ينسني ذلك تذكر غيابها المهيب وراء الجبال الشاهقة قبل موعده أو غيابها وراء أكامات الصحاري القاحلة ولم يمنعني كل ذلك من استقبال ليل طويل ألقى بظلامه وآلامه وهدوءه فتهب تارة نسمات رقيقة وأخرى موحشة وقد آنسني في تلك الليلة قمر وسامرتني نجوم ومع تقدم الليل غاب القمر فجزعت وتألمت وبكيت فهو ما تبقى لي من شمسي الغائبة , فاضطررت بعد غيابه إلى الخلود إلى خيالي وما أن امطيته حتى سافر بي في أصقاع شتى وانتهى بي وسلمني أحلامي الجميلة والتعيسة التي لا تفارقني حتى تسلمني تباشير اشراقت شمسي , صليت مع ظهور خيوط الفجر وغنيت مع عصافير الصباح وفتحت بابي ونافذتي كي أستقبل نسمات الهواء العليل .

وبينما أنا أمشط شعري المبلل أدرت ظهري لشمسي الحنونة لتنفض عنه برد الليل وتمسح أكتافي لتزيح عنها تعب النوم وخموله , فاستدرت إليها بوجهي وأنا مشتاق وما أن رأيتها حتى أزددت نورا وإشراقا منها , تبسمت لها فبادلتني بابتسامة ساحرة واقتربت مني ووضعت يديها حول عنقي من الخلف وشبكت أصابعها حوله , أحسست بالخوف وقرأت هي خوفي في وجهي فأخذت تدغدغ وتحرك كل أذن بإبهام وهي تطمئنني وتزداد تبسما وقربا مني حتى تبدل خوفي أمنا , فقبلتني على جبيني قبلة دافئة ورقيقة , قلت إنها دافئة فقالت كي تحميك من برد الليل , فقلت ورقيقة قالت كي تعينك على حر النهار حتى أعود , فقلت ولكن من أنت ؟ قالت أصحى وستعرف ! تحسست رأسي وصدري ولطمت خدي مرات كي أصحى فعلا ولكن وجدت نفسي صاحيا بالفعل ووجدت أسئلة كثيرة كانت أفكاري في سبات عميق عنها وهي تمزقني إلى الآن , من هي تلك المرأة ؟ هل هي أم ؟ أم أخت ؟ أم زوجة ؟ أم هي بنت ؟ وبحث فوجدت الجواب واحدا يقول ما أروع أن يكون لدى المرء كل ذلك .فنظرت حولي ووجدت أمًا تقدمت بها السنون تحتاج إلى رعاية وأختًا بالكاد ترعى زوجها وأبناءها في بيت كبير فعزمت على إكمال نصف ديني المتبقي فجاءني شعور عظيم بالعزيمة والقوة فاسرعت نحو باب غرفتي وما أن فتحته حتى وجدت رجلا عظيما يسده وكأني لم أفتحه , حاولت أن أدفعه ولكنه كان قويا جدا وكبيرله أيدي كثيرة وبطنه متدلية , ضربني بقوة حتى أوقعني على الأرض سألته من أنت فقال لي أسكت , فألحيت قائلا أسألك بالله من أنت ؟ فقال في حزم أنا المهر . أدراجي وأنا أتسحب إلى فراشي أجر أذيال الضعف والهوان وتغطيت بلباسي الوحيد وأنا أرتعش وأرتعد من الخوف , أضطجعت على جنبي وقربت ركبتي من رأسي وبينهما يديّ وبدأت أحلم وصرخت في حلمي من يقتل ذلك الرجل ؟ كررت ذلك مرات ومرات ولا مجيب فقررت أن أقتله بنفسي فأخذت خنجرا مسموم وبينما أنا أشحذه جاءني شيخ كبير عليه من الوقار ما لا يوصف وقال في لطف وحدة " يا بني أنه المهر إن قتلته فلن تتزوج أبدًا " هممت بالكلام فأردف قائلا " ولن يكون لك طريق إلا الحرام " وغادرني فجأة , فذهلت ووقع الخنجر المسموم على قدمي وجرحني جرحا عميقا , فعدت إلى فراشي وتدثرت بلباس العزوبية وأنا مجروح مسموم ولم أجد سوى أحلامي التي ركبت بي قطارًا سريعا يقطع بي محطات العمر وأنا لا أنزل منه أبدًا , واليوم يقترب القطار من محطته الأخيرة ولا بد لي أن أنزل لعلّي أجد فيها من ترضى أن تصبغ بالحنى الشيب الذي هجم على رأسي وبدأ يغازل لحيتي .
والمؤكد هو أنني سأجد رجلا إن لم يؤذني فهو لا محال سيسخر مني .. ربما لا تعرفوه . ولكنني أعرفه جيدًا . إنه مهر الغول وهذه قصتي قصيرة معه .