مائة قصة وقصة في أنيس الصالحين وسمير المتقين
قصص مختارة : مائة قصة وقصة في أنيس الصالحين وسمير المتقين ، جمع وإعداد : محمد أمين الجندي . الناشر . مكتبة النجاح . [1] قصة الأبرص والأقرع والأعمى : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول :" إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني(1) : ـ كرهني ـ الناس فمسحه(2) : ـ أمر يده عليه ـ فذهب عنه قذره وأعطى لوناً حسناً فقال (الملك) فأي المال أحب إليك قال : الإبل – أو قال : البقر – شك الراوي . فأعطى ناقة عشراء(3) : ـ حامل ـ ، فقال : بارك الله لك فيها . فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس فمسحه فذهب عنه وأعطى شعراً حسناً . قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر فأعطى بقرة حاملاً ، قال بارك الله لك فيها . فأتى الأعمى فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : الغنم فأعطى شاة والداً . فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم . ثم إنه (الملك) أتى الأبرص فصورته وهيئته فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال(4) : ـ الأسباب ـ في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ به في سفري فقال : الحقوق كثيرة . (*) الكلمات التي بين قوسين ليست من الحديث وإنما هي من إضافة المؤلف لتوضيح المعنى . فقال (الملك) : كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً فأعطاك الله ؟ . فقال : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر . فقال : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا . فقال : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ؟ . فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال : أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك ".(رواه البخاري ومسلم) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2] قصة جريج العابد : عن أبي هريرة قال : قال :" كان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج . فقال : يا رب أمي وصلاتي . فأقبل على صلاته فانصرفت . فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت : يا جريج . فقال : يا رب أمي وصلاتي (أيهما أجيب وأيهما أفضل)(*) ـ الكلمات التي بين قوسين ليست من الحديث وإنما هي من إضافة المؤلف لتوضيح المعنى ـ فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت : يا جريج . فقال : يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته . فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات . فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته . وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها (جمالها) فقالت : إن شئتم لأفتنه . فتعرضت له فلم يلتفت إليها . فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هو من جريج . فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك . قال : أين الصبي ؟ فجاءوا به فقال : دعوني حتى أصلي ، فصلى . فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ، وقال : يا غلام من أبوك ؟. قال : فلان الراعي . فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا ".(رواه البخاري ومسلم) . ويؤخذ من هذه القصة : 1- إن حق الأم عظيم وأنها يستجاب لها في ولدها إذا تغير قلبها عليه ، فجريج مع عبادته واعتزاله تغير قلب أمه عليه إذ دعته ولم يجبها لأنه كان في صلاته فدعت عليه
فاستجيب لها فما الظن بمن تدعو عليه لأهانتها . 2- إن الإلتجاء إلى الله بصدق ينفع عند وقوع الشدائد كما التجأ جريج وليس بينه وبين الموت إلا سويعات فأنطق الله له الرضيع أفمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مه الله قليلاً ما تذكرون . 3- قوة الإيمان وصدق التوكل تصدر عنهما العجائب كما أنطق الله الرضيع لهذا الرجل المبارك . بل أنطق له فروع الشجرة . ذكر السمرقندي أن المرأة اتهمته أنه زنا بها عند شجرة فذهب إلى الشجرة يسألها وقال : يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة ؟ فأجاب كل غصن منها : راعي الغنم . 4- نهاية الكذب والزور والفشا والخيبة كما حصل لهذه المرأة (أ. سمير الصالحين بتصرف يسير) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[3] أمانة فريدة : قال :" اشترى رجل من رجل عقاراً فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب . وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها . فتحاكما إلى رجل . فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ قال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية . قال : أنكحا الغلام الجارية ، وأنفقا على أنفسهما منه ". (رواه البخاري ومسلم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[4] صدقة مقبولة : قال :" قال رجل لأتصدقن بصدقة . فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون تُصدق الليلة على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني ، فقال : اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني . فأتى (في المنام) فقيل له : أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها . وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله ". (رواه البخاري ومسلم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[5] من الغني ومن الفقير ؟ حكى أن رجلاً جلس يوماً يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية فوقف سائل ببابه فخرج إليه وانتهره وطرده . ودارت الأيام وافتقر هذا الرجل وزالت نعمته حتى إنه طلق زوجته . وتزوجت من بعده برجل آخر فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين أيديهما دجاجة مشوية وإذا بسائل يطرق الباب فقال الرجل لزوجته : ادفعي إليه هذه الدجاجة ، فخرجت بها إليه فإذا به زوجها الأول فأعطته الدجاجة ورجعت وهي تبكي إلى زوجها فسألها عن بكائها فأخبرته أن السائل كان زوجها وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول وطرده ، فقال لها زوجها : ومم تعجبين وأنا والله السائل الأول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[6] حكم صائب : قال :" خرجت امرأتان ومعهما صبيان ، فعدا الذئب على صبي أحدهما فأكله فاختصما في الصبي الباقي ( كل منهما تقول إن الصبي الباقي هو ابنها ) فاختصما إلى داود عليه السلام فقال : كيف أمركما فقصتا عليه القصة فحكم به للكبرى منهما فاختصما إلى سليمان عليه السلام ، فقال : ائتوني بسكين أشق الغلام نصفين لكل منهما نصف . فقالت الصغرى : أتشقه يا نبي الله ، قال : نعم ، قالت : لا تفعل ونصيبي فيه للكبرى ، فقال : خذيه فهو ابنك وقضى به لها ".(رواه البخاري ومسلم ) .
[8] سوء الخاتمة : 1- كان بمصر مؤذن عليه علامات الصلاح وذات يوم صعد المنارة ليؤذن فرأى نصرانية من المنارة فافتتن بها فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه إلى ريبة وشبهة فقال لها : أتزوجك ، فقالت : أنت مسلم وأنا نصرانية فلا يرضى أبي . قال : أتنصر . فقالت : الآن يجيبك ويرضى . فتنصر الرجل والعياذ بالله ووعدوه أن يدخلوه عليها . وفي أثناء ذلك اليوم رقى(1) : ـ صعد ـ سطحاً لحاجة فزلت قدمه فوقع ميتاً فلا هو ظفر بها ولا هو ظفر بدينه فنعوذ بالله من سوء الخاتمة . 2- حكي أن أخوين كان أحدهما عابداً والآخر مسرفاً على نفسه ، فسولت للعابد يوماً نفسه أن يتبع شهواتها ترويحاً لما ضيع من سني عمره في العبادة ثم يتوب بعد ذلك لعلمه أن الله غفور رحيم ، فقال العابد في نفسه : أنزل إلى أخي في أسفل الدار وأوافقه على الهوى واللذات بعض الوقت ثم أتوب وأعبد الله فيما تبقى من عمري ، فنزل على هذه النية . وقال أخوه المسرف قد أفنيت عمري في المعصية وأخي العابد يدخل الجنة وأنا أدخل النار والله لأتوبن وأصعد إلى أخي وأوافقه في العبادة ما بقي من عمري فلعل الله يغفر لي ، فطلع على نية التوبة ونزل أخوه على نية المعصية ، فزلت رجله فوقع على أخيه فمات الاثنان معاً ، فحشر العابد على نية المعصية وحشر المسرف على نية التوبة . 3- روى أن رجلاً من المسلمين وقع في الأسر فكان يخدم راهبين وكان يحفظ القرآن ، فكان إذا تلا القرآن رق قلبهما وبكيا ثم أسلما وتنصر الرجل المسلم ، فقال له : ارجع إلى دينك الأول فهو خير فلم يرجع ومات نصرانياً نسأل الله تعالى حسن الخاتمة . 4- وقال سفيان الثوري رأيت رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم سلم سلم . فقلت : يا أخي ما قضيتك . فقال : كنا أربعة أخوة مسلمين فتوفي منا ثلاثة كل واحد يفتن عند موته ولم يبق إلا أنا فما أدري بم يختم لي . 5- احتضر بعض العصاة . وكان كلما قيل له : قل لا إله إلا الله يقول هذا البيت : يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب و سبب ذلك أن امرأة عفيفة حسناء خرجت إلى حمام معروف باسم حمام منجاب فلم تعرف طريقه وتعبت في المشي فرأت رجلاً على باب داره فسألته عن الحمام فقال : هو هذا وأشار إلى باب داره ، وكان باب داره يشبه باب هذا الحمام ! فلما دخلت أغلق عليها الباب . فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشر والفرح باجتماعها معه وقالت خدعة منها وتحليلاً للتخلص مما أوقعها فيه وخوفاً من فعل الفاحشة : يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا اشتر لنا شيئاً والطيب وشيئاً من الطعام وعجل العودة إلينا فقال الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها لأنه كان واثقاً بها وبرغبتها فاشترى الرجل ما يليق ورجع المنزل فوجدها قد خرجت وذهبت ، فهام الرجل بها وأكثر لذكرها وصار يمشي كالمجنون في الطرق والأزمة وهو يقول : يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب . فبينما يقول ذلك : إذا بجاريته تقول له : هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب . فازداد هيامه بها واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت ( … أين الطريق إلى حمام منجاب ) هو آخر كلامه من الدنيا وكان كلما قيل له : قل لا إله إلا الله يقول هذا البيت . فانظر كيف منعته هذه الخطيئة عن الإقرار بالشهادتين عند الموت مع أنه لم يصدر منه إلا إدخال المرأة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[11] يوم التوابين : ضاق المسجد الكبير على سعته بالحشد الكبير من المسلمين الذين تعلقت عيونهم في محبة وإكبار بمالك بن دينار ( وكان من كبار الزهاد العباد ) وقد جلس على مقعده في صمت عميق ثم رفع رأسه . فرأى الناس منظراً ما شاهدوه قط على فقيه العراق وإمام وواعظ مسجد الكوفة . فقد كانت عيناه مليئتان بالدموع . وقد بللت دموعه الصامتة لحيته إذ راعه هذا الحشد الذي جاء مستمعاً له اليوم بعدما أعلنهم بالأمس أنه سيحدثهم عن أمر ما لا يعرفوه وما يجب أن
يعرفوه .. وبدأ الإمام مالك يتكلم وبدأ صوته يمس أعماق قلوب سامعيه ومحبيه حتى ظن أن الصوت قادم من بعبيد فحمد الله تعالى وصلى على نبيه ثم دعا لسامعيه وعارفيه بالخير والمغفرة لأنهم يحسنون به الظن وقال : قلت لكم بالأمس إني محدثكم في الغد بإذن الله عن هذا العبد الفقير إلى الله تعالى الذي تستمعون إليه عن مالك فإني أعلم من نفسي ما لا تعلمون وأنتم تحسنون بي الظن جزاكم الله خيراً . فقد كنت في شبابي شرطياً ظالماً وقد كلفت بالمحافظة على السوق فلم ينج من ظلمي أحد ولا من غلظتي فرد فكم من الناس اشتبكت معهم وآذيتهم يغفر الله لي ما تذكرتهم إلا وتقطعت نياط قلبي أسى على نفسي ولولا إيماني برحمة الله وفي رحمة الله لكنت اليوم غيري بكثير . ولم أترك يا إخواني من الموبقات شيئاً لم أفعله كنت أشرب الخمر وأضرب الناس وأتدخل فيما لا يعنيني من شئونهم حتى البيع والشراء وأناصر من يروقني حتى ولو كان ظالماً . وذات يوم كنت أسير في السوق فوجدت رجلين يختلفان على أمر بينهما واحد يشتري بضاعة والآخر يبيع له ويصر على أن يأخذ في بضاعته ثمناً معيناً والرجل الآخر يحاول أن يقلل منه . فنهرت المشتري وكدت أضربه بعصاي لولا أن شيئاً معيناً لا أعرفه منعني ونظرت إليه متأملاً فوجدته رجل أشيب الشعر على وجهه سمات الطيبين ممن الناس وأشار إلي بيده أن أتوقف قبل أن أحكم وعرض علي النزاع بينه وبين التاجر ، ولأول مرة في حياتي أنصت إلى شكاه وختم حديثه بأنه سمع حديثاً عن سيدنا رسول الله يقول فيه :" إذا ذهب أحدكم إلى السوق فاشترى أشياء تدخل المسرة على بناته نظر الله إليه " وأنا قادم من سفر وأردت قبل أن أذهب إلى بيتي شراء شيء يدخل المسرة على بناتي الثلاثة حتى ينظر الله إلي . ويقول مالك : وتأثرت من حديث الرجل واشتريت له البضاعة التي أرادها وأوصلته بها وتركته بعد أن سألته بالله أن يجعل بناته يدعون لي . ومرت الأيام ولا زال حديث الرجل معي يرن في أذني حتى رأيت جارية جميلة جداً تباع في السوق فوقعت في قلبي أجمل وقع وأحببتها فاشتريتها وتزوجتها وعشت معها أياماً سعيدة جداً أنستني فساد أمري وبدأت في الاستقامة خاصة عندما رزقنا الله بمولودة جميلة . ولكن لم تمض على وجود ابنتي أياماً حتى ماتت زوجتي وتركت ابنتنا يتيمة وعشت بعد ذلك سنتين لا أتزوج ولا هم لي غير العناية بابنتي التي صارت لي كل شيء في دنياي . وذات يوم عدت من عملي لأجد ابنتي تتألم وتتوجع وبحثت لها عن الدواء من خلال الأطباء ولكن أمر الله كان أبلغ وأسرع وضاعت ابنتي من على صدري وأخذت أضمها إلى قلبي ظناً مني أن الحياة ستدب فيها مرة أخرى أبللها بدموعي وأنادي عليها بحزن وبجزع قلبي ثم أسلمت أمري إلى الله وواريت وحيدتي التراب وهربت من نفسي ومن حياتي ومن واقعي إلى الألحان وأصبحت أعب الخمر وأعيش سكيراً كي لا أفيق إلى عالمي الحزين فأعرف ما فيه واشعر بفداحة مصيبتي ووحدتي . وعادت إلي غلظتي مع الناس والقسوة عليهم كأني أنتقم منهم وكأنهم هم الذين سلبوا مني امرأتي وابنتي وسعادتي حتى إني ذات يوم كنت أطوف بالسوق فرأيت امرأة تحمل قليلاً من الطعام فاغتصبته منها بالقوة ولم أهتم ببكائها أو صراخها ولا بعويل أطفالها الصغار . وذهبت ليلتها مبكراً إلى منزلي وكنا في النصف من شهر شعبان . ونمت نوماً عميقاً وبينما أنا على هذه الحالة إذ رأيت في عالم الرؤيا أن القيامة قد قامت ونفخ في الصور وحشرت الخلائق جميعاً وأنا معهم ثم سمعت صوتاً رهيباً مهولاً فالتفت فإذا بتنين (ثعبان) عظيم أسود أزرق فاتح فمه يتطاير الشرر من عينيه وهجم علي هذا التنين بشراسة فمررت بين يديه هارباً فزعاً حتى التقيت بشيخ ضعيف عاجز فهتفت به أنقذني وأجرني من هذا التنين أجارك الله فبكى إلي وشكى الضعف الذي هو فيه ثم قال أسرع لعل الله يقيض لك ما ينجيك منه فوليت هارباً مسرعاً على وجهي إلى أن صعدت على شرف وحافة ونهاية القيامة فأشرفت على طبقات النار فكدت أهوي فيها من فزعي والتنين من ورائي يلاحقني فصاح صائح ارجع فلست من أهلها . فرجعت من فزعي والتنين في طلبي فأتيت الشيخ أطلب منه الرحمة مرة ثانية فاشتكى إلي ضعفه تجاه الوحش الرهيب ثم قال
سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين فإن كان لك وديعة فتنصرك . فنظرت إلى جبل مستنير من فضة وستور معلقة على كل مكان مصراعات من ذهب أحمر يتوهج وعلى كل مصراع ستر من حرير يخطف جماله البصر فهرولت إليه والتنين من ورائي حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع ثم رأيت أطفالاً كالأقمار واقترب التنين مني فاحترت في أمري فصاح بعض الأطفال ويحكم أشرفوا جميعاً فقد قرب منه عدوه فقدموا وفداً بعد وفد وإذا أنا بابنتي التي ماتت فنظرت إلي وبكت وقالت : أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى صارت عندي ومدت يدها الشمال إلى يدي اليمين وتعلقت بها ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هارباً وأجلستني وقد بلغ الإعياء والتعب مني منتاه واحتضنتها إلى قلبي وقبلتها والدموع في عيني كأني أخشى أن أفقدها مرة أخرى ورفعت يدها إلى لحيتي وأخذت تداعبها ونظرت إلي بعينيها الجميلتين في حنان وحب خالص وقالت لي يا أبت : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فبكيت لما سمعت هذه الآية بكاء ما بعده بكاء أول مرة أسمعها وقلت لها : وأنتم تعرفون القرآن قالت : نحن أعرف به منكم ، قلت : فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني قالت : ذلك عملك الشيء الشرير قويته فانقلب عليك يريدك في نار الجحيم قلت : والشيخ ؟ العجوز قالت : ذلك عملك الصالح أضعفته فلم يتمكن من نجدتك قلت : يا بنتي ماذا تفعلون في هذا الجبل قالت : أطفال المسلمين أسكنوا فيه إلى قيام الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم . ففزعت فزعة شديدة قمت على إثرها من نومي والعرق يبللني كأنه مطر غزير أغرقني وأمسكت بعصاي فكسرت آلات الطرب وزجاجات الخمر وهتفت في قلبي إلى الله تائباً ولزمت الفراش بعدها أياماً لا أقوى على الحركة وظللت في هذه الفترة أستغفر الله وأتوب إليه وأسأله الرحمة وعرفت من يومها أن أخلص النية في سلوك طريق الله وكنت أعبد الله في الأيام الأولى لتوبتي بخوف شديد إذ1 أتمثل في معظم أوقاتي التنين مجسماً أمامي يريد أن يفترسني … وفي هذا الجو المليء بالخوف والرعب حبست نفسي عن الناس ومرت بنا أزمة شديدة إذ منع سقوط المطر فبدأنا ندعو الله ومع ذلك لم تهطل الأمطار فجف الزرع وأخذنا الظمأ حتى كان ذات يوم بقيت في المصلى أدعو الله بعد أن انفض الناس ولم يبق سواي إذا برجل أسود دقيق الساقين عظيم البطن يدخل فصلى ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : سيدي إلى كم يرد عبادك فيما لا ينقصك أنفذ ما عندك أقسمت عليك بحبك لي إلا أسقنا الساعة (الآن) فما كان ينتهي من دعائه حتى أمطرت السماء كأفواه القرب وهم الرجل بالانصراف فتعرضت له وقلت : أما تستحي أن تقول بحبك لي وما يدريك أنه يحبك قال لي : يا من اشتغل عنه بنفسه أين أنا كنت حينما اختصني بتوحيده دون غيري أتراه بدأني بذلك إلا لمحبته لي ، ألا تعلم أن الله تعالى واسع المغفرة عظيم المحبة لعباده ، ألم تسمع قوله تعالى : هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً وتركني وأنا في حالة من الذهول ومن يومها وأنا أقبل على الله دون أن أحس بالتنين… وصمت مالك بن دينار فترة ثم قال في قوة وخشوع : أيها الناس إن الله رحيم فأبشروا بالرحمة وبشروا الناس إن الله يحبكم حباً لو تعلمونه آه لو تعلمونه ما عصيتموه . أتحبون الله أيها الناس … إذن فاعلموا أن علامة محبة الله مداومة ذكره لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره ومن لم يأنس بمحادثة الله عن محادثة المخلوق فقد قل علمه وضيع عمره . توبوا إلى الله عباد الله ، وانتفض مالك قائماً فهب معه الناس قياماً يرددون التوبة الصادقة مع الله وإلى الله وحتى سمى هذا اليوم وقتذاك " بيوم التوابين ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[12] قصته وجبريل وميكائيل : عن سمرة بن جندب قال : كان النبي إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال :" من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ قال : فإن رأى أحد رؤيا قصها فيقول : ما شاء الله فسألنا يوماً فقال : هل رأى أحد منكم
رؤيا ؟ قلنا : لا ! قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي وأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس ، ورجل قائم بيده كلوب(1) : ـ حديدة مقوسة الرأس ـ من حديد يدخله في شدقه(2) : ـ الشدق بالكسر : جانب الفم من باطن الخد ـ حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله .. قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بصخرة أو فهر(1) : ـ الحجر ملء الكف ـ فيشدخ(2) ـ الشدخ : كسر الشيء ـ . بها رأسه فإذا ضربه تدهده(3) : ـ تدهده : تدحرج ـ الحجر ، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه .. قلت : ما هذا ؟ قلا . انطلق فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فإذا فيه رجال ونساء عراة ، فيأتيهم اللهب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فقلت : ما هذا ؟ قلا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى بحجر في فمه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمي في فمه بحجر فرجع كما كان فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعد بي الشجرة وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها فيها شيوخ وشبان ، ثم صعدا بي فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل .. قلت : طوفتما بي الليلة أخبراني عما رأيت .. قالا : نعم ، الذي رأيته يشق شدقه كذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة . والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار يعمل به بالنهار يفعل به إلى يوم القيامة ، وأما الذي رأيت في النقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر فآكل الربا ، وأما الشيخ الذي في أصل الشجرة فإبراهيم والصبيان حوله فأولاد الناس ، والذي يوقد النار فمالك خازن جهنم ، والدار الأولى دار عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ، وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل ، فارفع رأسك .. فرفعت رأسي فإذا قصر مثل السحابة قالا : ذلك منزلك . قلت : دعاني أدخل منزلي قال : إنه بقى لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملته أتيت منزلك ". (رواه البخاري ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[13] قصة التائب قاتل المائة : قال :" كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب . فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة ؟ . فقال : لا . فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال : إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ . فقال : نعم . ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء . فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط . فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم حكماً . فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسموا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة ".(متفق عليه) . وفي رواية في الصحيح " فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها " وفي رواية في الصحيح " فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقاربي وقال : قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له ". ويؤخذ من هذا الحديث : 1- أن العابد بغير علم يضر نفسه وغيره . 2- فيه قبول التوبة القاتل عمداً وهو مذهب جمهور العلماء فهو وإن كان شرعاً لمن قبلنا فقد قرره شرعنا قال تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا
تقتلون إلى قوله ..إلا من تاب وأما قوله تعالى : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها .. فمعناه أن جهنم جزاؤه وقد يجازى بها وقد يجازى بغيرها وقد يعفى عنه . 3- وفيه مقاطعة إخوان السوء ما داموا على حالهم ومخالطة أهل الخير ومن ينتفع بصحبته . 4- وفيه تحكيم الخصمين عند الخلاف من يفصل بينهما . 5- وفيه أن الذنوب وإن عظمت فعفو الله أعظم وإن صدقت توبته حقت رحمته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[14] الدعاء بصالح الأعمال : قال :" انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار . فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق ( لا أقدم في الشرب ) قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح (أرجع) عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين . فكرهت أن أوقظهما . وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً . فلبث ـ والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون ( يصيحون من الجوع ) عند قدمي ـ فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي . وفي رواية ( كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ) فراودتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين (المجدبة) فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه … فانفجرت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله أد إلي أجري ، فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي ! فقلت : لا أستهزئ بك . فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً : اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفجرت الصخرة فخرجوا يمشون ". (رواه البخاري ومسلم ) . ويستنبط من هذا الحديث : 1- استحباب الدعاء حال الكرب والشدة وأنه ينفع في دفع البلاء وجواز التوسل بصالح العمل . 2- وفيه فضيلة بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما من الولد والزوجة . 3- وفيه فضل العفاف أو الانكفاف عن المحرمات لاسيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها وترك ذلك لله خالصاً . 4- وفيه جواز الإجارة بالطعام وفضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة . 5- وفيه إثبات كرامة الأولياء وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها وأن التوبة تجب ما قبلها . قال الإمام الخطابي : إنما تطوع بإعطائه هذا المال تقرباً إلى الله تعالى ولذا توسل به للخلاص ولم يكن يلزمه في الحكم أن يعطيه أكثر من القدر الذي استأجره عليه فلذا حمد فعله . والله أعلم . أ . شرح ابن علان علي رياض الصالحين للإمام النووي . فائدة : قال الإمام ابن حجر : إن الروايات اختلفت فبعضها قدم ذكر المرأة ثم الأجير ثم الأبوين وبعضها عكس على أنحاء متعددة وفي ذلك دلالة على أن الرواية بالمعنى سائغة ولا أثر للتقديم أو التأخير في مثل ذلك . فائدة أخرى : صاحب المرأة أفضلهم لأنه أفاد أنه كان في قلبه خشية ربه وقد شهد الله لمن كان كذلك بأن له الجنة وقد ترك الذهب الذي أعطاه للمرأة فأضاف إلى النفع القاصر النفع المتعدي ولاسيما أنها ابنة عمه فتكون فيه صلة رحم وقد كان في سنة قحط فالحاجة إليه أشد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[15] قصة أصحاب الأخدود : قال :" كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر . فبعث إليه غلاماً يعلمه وكان في طريقه إذا راهب . فقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني (أخرني) أهلي وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ فأخذ حجراً فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب : يا بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي . وكان الغلام يبرئ الأكمه (الأعمى) والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء . فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال : ما ههنا لك أجمع إن شفيتني فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى . فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك : من رد عليك بصرك قال : ربي قال : أو لك رب غيري ؟ . قال : ربي وربك الله . فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك : يا بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى . فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب . فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه . ثم جيء بجليس الملك فقيل له : ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه . ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم أكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك : ما فعل أصحابك فقال : كفانيهم الله تعالى … فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور (سفينة) وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال : اللهم أكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ . فقال : كفانيهم الله تعالى ، فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به . قال : ما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه فمات فقال الناس : آمنا برب الغلام . فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس . فأمر بالأخدود (الشقوق) بأفواه السكك فخدت (شقت) وأضرم(1) فيها النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها (ألقوا فيها) أو قيل له اقتحم ففعلوا . حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أمه اصبري فإنك على الحق ". (رواه مسلم ) . يؤخذ من الحديث : 1- عظم منزلة الصبر وإن عظم الألم به إلا أنه هين ويسير في جنب ما أعده لصاحبه من ثواب دون حساب . 2- وفيه فضل الثبات على الدين ولو عذب بأنواع العذاب كما وقع من بلال في أول الإسلام وهو أفضل من النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان . 3- وفيه إثبات كرامات الأولياء كما حصل من الغلام مرات ومن الراهب ومن الطفل . وغيرها من الفوائد والله أعلم . فائدة : نظم الإمام السيوطي من تكلم في المهد وعددهم عشرة فقال : تكلم في المهد النبي محمد ويحيى وعيسى والخليل ومريم . ومبرئ جريج ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم . وماشطة في عهد فرعون طفلها وفي زمن الهادي المبارك يختم . وزاد بعضهم : وطفل عليه مر بالأمة التي يقال لها تزنى ولا تكلم . وزاد بعضهم ونوح
ببطن الغار في يوم وضعه وموسى من التنور والنار تضرم . والله أعلم .. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[16] عاقبة الظلم : أ - خرج أحد الصيادين صبيحة يومه يطلب رزقاً حلالاً فرمى شبكته فلم يخرج شيئاً فأخذ يبتهل إلى الله فأولاده يصرخون جوعاً في بيته واقتربت الشمس من المغيب فرزقه الله سمكة ضخمة فحمد الله تعالى وأخذها مسروراً إلى بيته وإذا بملك قد خرج للنزهة فرآه فأحضره وعلم ما معه فأعجبته السمكة فأخذها عنوة وذهب إلى قصره فأراد أن يدخل سروراً على الملكة فأخرج السمكة أمامها فاستدارت السمكة وعضت أصبعه فلم يسترح ليلته ولم ينم فأحضر الأطباء فأشاروا بقطع أصبعه ولكنه لم يسترح بعدها لأن السم كان قد تسرب إلى يده فأشاروا بقطع يده ولكنه لم يسترح أيضاً بل أخذ يصرخ ويستغيث فأشاروا بقطع ذراعه فاستراح من الآلام الجسدية ولم تهدأ نفسه فعلم الأمر فأشاروا إليه أن يذهب إلى طبيب من أطباء القلوب (العلماء الحكماء) فذهب وأخبره قصة السمكة فقال له : لت تهدأ إلا إذا عفى عنك الصياد فبحث الملك عن الصياد حتى وجده وشكى إليه أمره واستحلفه أن يصفح عنه فعفا عنه وصفح فقال له الملك : ماذا قلت في ؟ فقال : ما قلت سوى كلمة واحدة :" اللهم إنه ظهر علي قوته فأرني فيد قدرتك ". ب – أمر أحد الظالمين المتكبرين أتباعه باقتياد امرأة مظلومة والقبض عليها لتعذيبها والسخرية منها ، فأمر بجرها فقالت له : اتق الله فلم يلتفت لها ، وإنما أمر باستمرار جرها ، ولم تزل تناشده الله أن يتركها ويتقي الله فيها ، وهو يأمر بجرها ، فلما يئست من نفسها ، رفعت رأسها إلى السماء ثم قالت : قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اللهم إن كان هذا الرجل يظلمني فخذه ، فوقع الرجل في نفس اللحظة على ظهره ميتاً !! وحمل على جنازة وانصرفت المرأة سالمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[17] قصة أويس القرني : تحدث رسول الله عن أويس القرني دون أن يراه ، فقال : إنه من أهل اليمن ، وإنه من بلدة قرن ، ومن قبيلة مراد ، مات أبوه ويعيش مع أمه وهو بها بار ، مرض بالبرص فدعا الله فشفاه ، وبقي من آثاره مثل الدرهم في ذراعيه ، وإنه لسيد التابعين ، ثم قال لعمر بن الخطاب ( إن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فكان عمر حين أصبح أميراً للمؤمنين يسأل حجاج بيت الله الحرام في مواسم الحج : أمنكم أويس القرني ؟ فيقولون : لا . فيقول : كيف تركتموه ؟ فيقولون دون أن يعرفوا منزلته : تركناه قليل المتاع ، رث الثياب . فيقول لهم : ويحكم لقد حدث عنه رسول الله إن استطعتم أن يستغفر لكم فافعلوا . وكان عمر في كل عام ينتظر أويساً . وتصادف مرة أن جاء مع حجاج اليمن ، فلقيه عمر ، فأراد أن يستوثق منه ، فسأله : ما اسمك ؟ قال : أويس . قال : من أي بلاد اليمن ؟ قال : من قرن . قال : من أي قبيلة فيها ؟ قال : من مراد . قال : كيف لأبوك ؟ قال : أما أبي فقد مات ولي أم تعيش معي . قال : وكيف حالك معها ؟ قال أويس : أرجو أن أكون بها باراً . قال : هل مرضت قبل ذلك ؟ قال : نعم ، مرضت بالبرص فدعوت الله فشفاني . قال : هل بقي من أثره من شيء ؟ قال : نعم ، في ذراعي أثره مثل الدرهم وكشف له عن ذراعه فلما رأى عمر ذلك اعتنقه وقال : أنت الذي حدث عنك رسول الله . فاستغفر لي ! قال : أنا أستغفر لك يا أمير المؤمنين قال : بلى . وما زال عمر يلح عليه استغفر له . ثم سأل عمر أويس عن وجهته بعد موسم الحج . فقال : ( إني ذاهب إلى مرد من أهل اليمن إلى العراق . قال : أكتب إلى والي العراق عنك ؟ قال : أقسمت عليك يا أمير المؤمنين ألا تفعل . دعني أسير في غبراء الناس لا يؤبه لي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[18] عاقبة العقوق : عن العوام بن حوشب رضي الله عنه : قال : نزلت مرة حياً وإلى جانب ذلك الحي مقبرة فلما كان بعد العصر انشق منها قبر فخرج رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان فنهق ثلاث نهقات ثم انطبق عليه القبر فإذا عجوز تغزل شعراً أو صوفاً فقالت امرأة : ترى تلك العجوز قلت : مالها . قالت : تلك أم هذا . قلت : وما كان قصته . قالت : كان يشرب الخمر فإذا راح تقول له أمه : يا بني اتق الله إلى متى تشرب هذه الخمر فيقول لها : إنما أنت تنهقين كما ينهق الحمار . قالت : فمات بعد العصر . قالت : فهو ينشق عنه القبر بعد العصر كل يوم فينهق ثلاث نهقات ثم ينطبق عليه القبر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[19] قصة الظالم والمظلوم يوم القيامة : عن انس رضي الله عنه قال :" بينما رسول الله جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي . فقال الله : كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء . قال : إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من أوزارهم . فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر . فرفع فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا . قال : لمن أعطى الثمن . قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه . قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك . قال : يا رب ، إني قد عفوت عنه . قال الله : فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة " . فقال رسول الله عند ذلك :" اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين ". (رواه الحاكم والبيهقي في البعث وقال صحيح الإسناد) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[20] قصة العابد خمسمائة عام : عن جابر رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله فقال :" خرج من عندي خليلي جبريل آنفاً فقال : يا محمد والذي بعثك بالحق إن لله عبداً من عباده عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل فب البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعاً في ثلاثين ذراعاً والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية وأخرج له عيناً عذبة بعرض الإصبع تفيض بماء عذب فيستقر في أسفل الجبل وشجرة رمان تخرج له في كل ليلة رمانة . يتعبد يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته . فسأل ربه عند موته أن يقبضه ساجداً وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلاً حتى يبعثه الله وهو ساجد قال : ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا صعدنا فنجد له في العلم إنه يبثث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول له الرب : أدخلوا عبدي الجنة برحمتي . فيقول : رب بل بعملي . فيقول الله : قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله . فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلاً عليه . فيقول : ردوه فيوقف بين يديه فيقول : يا عبدي من خلقك ولم تك شيئاً ؟ فيقول : أنت يا رب . فيقول : من قواك لعبادة خمسمائة سنة . فيقول : أنت يا رب . فيقول : من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة وسألته أن يقبضك ساجداً ففعل ؟ فيقول : أنت يا رب . قال : فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة . أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فأدخله الجنة ". (رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ